َ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ
كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا
وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ
إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ
عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ "
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه المصطفى وآله المستكملين
الشرفا، ثم أما بعد:
يعيش أهل الإسلام في ظل هذا الدين حياة شريفة كريمة، يجدون من خلالها حلاوة
الإيمان، وراحة اليقين والاطمئنان، وأنس الطاعة، ولذة العبادة، وتقف تعاليم
هذا الدين حصنًا منيعًا ضد نوازع الانحراف وأهواء المنحرفين، تصون الإنسان عن
نزواته، وتحميه من شهواته، وتقضي على همومه وأحزانه، فما أغنى من والى دين
الله وإن كان فقيرًا، وما أفقر من عاداه وإن كان غنيًا.
وإن مما يحزن المسلمَ الغيورَ على دينه أن يبحث بعض المسلمين عن السعادة في
غيره، ويبحثون عن البهجة فيما عداه، يضعون السموم مواضع الدواء، طالبين
العافية والشفاء في الشهوات والأهواء. ومن ذلك عكوف كثير من الناس اليوم على
استماع آلات الملاهي والغناء، حتى صار ذلك سلواهم وديدنهم، متعللين بعلل
واهية وأقوال زائفة، تبيح الغناء وليس لها مستند صحيح، يقوم على ترويجها قوم
فُتنوا باتباع الشهوات واستماع المغنيات.
وكما نرى بعضهم يروج للموسيقى بأنها ترقق القلوب والشعور، وتنمي العاطفة،
وهذا ليس صحيحاً، فهي مثيرة للشهوات والأهواء، ولو كانت تفعل ما قالوا لرققت
قلوب الموسيقيين وهذبت أخلاقهم، وأكثرهم ممن نعلم انحرافهم وسوء سلوكهم.
عباد الله من كان في شك من تحريم الأغاني والمعازف، فليزل الشك باليقين من
قول رب العالمين، ورسوله صلى الله عليه وسلم الأمين، في تحريمها وبيان
أضرارها، فالنصوص كثيرة من الكتاب والسنة تدل على تحريم الأغاني والوعيد لمن
استحل ذلك أو أصر عليه، والمؤمن يكفيه دليل واحد من كتاب الله أو صحيح سنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف إذا تكاثرت وتعاضدت الأدلة على ذلك. ولقد
قال سبحانه و تعالى في كتابه العزيز: " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ
مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ
الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ
ضَلالاً مُّبِيناً"
ونظراً لخطورة الأغاني، وأنها سبب من أسباب فتنة الناس وإفسادهم وخاصة الشباب
منهم، أحببت أن أجمع لكم هذا البحث المختصر والذي يحتوي على موقف كتاب الله
وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأئمة أهل العلم من الغناء والموسيقى. وهذه
المادة هي محاولة أردت بها خدمة دين الله عز وجل، ومنفعة المسلمين، سائلاً
الله تبارك وتعالى أن ينفع بها وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وهو
حسبنا و نعم الوكيل.
أدلة التحريم من القرآن الكريم:
قوله تعالى:
"وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن
سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ
عَذَابٌ مُّهِينٌ" (سورة لقمان: 6)
قال حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما: هو الغناء، وقال مجاهد رحمه الله:
اللهو الطبل (تفسير الطبري) وقال الحسن البصري رحمه الله: "نزلت هذه الآية في
الغناء والمزامير" (تفسير ابن كثير). قال ابن القيم رحمه الله: "ويكفي تفسير
الصحابة والتابعين للهو الحديث بأنه الغناء فقد صح ذلك عن ابن عباس وابن
مسعود، قال أبو الصهباء: سألت ابن مسعود عن قوله تعالى:
"ومن الناس من يشتري
لهو الحديث"، فقال: والله الذي لا إله غيره هو الغناء - يرددها ثلاث مرات -،
وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أيضا أنه الغناء.." (إغاثة اللهفان لابن
القيم). وكذلك قال جابر وعكرمة وسعيد بن جبير ومكحول وميمون بن مهران وعمرو
بن شعيب وعلي بن بديمة و غيرهم في تفسير هذه الآية الكريمة. قال الواحدي رحمه
الله: وهذه الآية على هذا التفسير تدل على تحريم الغناء (إغاثة اللهفان).
ولقد قال الحاكم في مستدركه عن تفسير الصحابي: "ليعلم طالب هذا العلم أن
تفسير الصحابي الذي شهد الوحي و التنزيل عند الشيخين حديث مسند". وقال الإمام
ابن القيم رحمه الله في كتابه إغاثة اللهفان معلقاً على كلام الحاكم: "وهذا
وإن كان فيه نظر فلا ريب أنه أولى بالقبول من تفسير مَن بعدهم، فهم أعلم
الأمة بمراد الله من كتابه، فعليهم نزل وهم أول من خوطب به من الأمة، وقد
شاهدوا تفسيره من الرسول علماً وعملاً، وهم العرب الفصحاء على الحقيقة فلا
يعدل عن تفسيرهم ما وجد إليه سبيل".
وقال تعالى: "وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ
عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ
وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا" (سورة
الإسراء:64)
جاء في تفسير الجلالين: (واستفزز): استخف، (صوتك): بدعائك بالغناء والمزامير
وكل داع إلى المعصية و هذا أيضا ما ذكره ابن كثير والطبري عن مجاهد. وقال
القرطبي في تفسيره: "في الآية ما يدل على تحريم المزامير والغناء واللهو..وما
كان من صوت الشيطان أو فعله وما يستحسنه فواجب التنزه عنه".
و قال الله عز وجل: "وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا
بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا" (الفرقان: 72).
وقد ذكر ابن كثير في تفسيره ما جاء عن محمد بن الحنفية أنه قال: الزور هنا
الغناء، وجاء عند القرطبي والطبري عن مجاهد في قوله تعالى: "والذين لا يشهدون
الزور" قال: لا يسمعون الغناء. وجاء عن الطبري في تفسيره: "قال أبو جعفر:
وأصل الزور تحسين الشيء، ووصفه بخلاف صفته، حتى يخيل إلى من يسمعه أو يراه،
أنه خلاف ما هو به، والشرك قد يدخل في ذلك لأنه محسن لأهله، حتى قد ظنوا أنه
حق وهو باطل، ويدخل فيه الغناء لأنه أيضا مما يحسنه ترجيع الصوت حتى يستحلي
سامعه سماعه" (تفسير الطبري).
وفي قوله عز وجل: "و إذا مروا باللغو مروا كراما" قال الإمام الطبري في
تفسيره: "وإذا مروا بالباطل فسمعوه أو رأوه، مروا كراما. مرورهم كرام
كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا
وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ
إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ
عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ "
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه المصطفى وآله المستكملين
الشرفا، ثم أما بعد:
يعيش أهل الإسلام في ظل هذا الدين حياة شريفة كريمة، يجدون من خلالها حلاوة
الإيمان، وراحة اليقين والاطمئنان، وأنس الطاعة، ولذة العبادة، وتقف تعاليم
هذا الدين حصنًا منيعًا ضد نوازع الانحراف وأهواء المنحرفين، تصون الإنسان عن
نزواته، وتحميه من شهواته، وتقضي على همومه وأحزانه، فما أغنى من والى دين
الله وإن كان فقيرًا، وما أفقر من عاداه وإن كان غنيًا.
وإن مما يحزن المسلمَ الغيورَ على دينه أن يبحث بعض المسلمين عن السعادة في
غيره، ويبحثون عن البهجة فيما عداه، يضعون السموم مواضع الدواء، طالبين
العافية والشفاء في الشهوات والأهواء. ومن ذلك عكوف كثير من الناس اليوم على
استماع آلات الملاهي والغناء، حتى صار ذلك سلواهم وديدنهم، متعللين بعلل
واهية وأقوال زائفة، تبيح الغناء وليس لها مستند صحيح، يقوم على ترويجها قوم
فُتنوا باتباع الشهوات واستماع المغنيات.
وكما نرى بعضهم يروج للموسيقى بأنها ترقق القلوب والشعور، وتنمي العاطفة،
وهذا ليس صحيحاً، فهي مثيرة للشهوات والأهواء، ولو كانت تفعل ما قالوا لرققت
قلوب الموسيقيين وهذبت أخلاقهم، وأكثرهم ممن نعلم انحرافهم وسوء سلوكهم.
عباد الله من كان في شك من تحريم الأغاني والمعازف، فليزل الشك باليقين من
قول رب العالمين، ورسوله صلى الله عليه وسلم الأمين، في تحريمها وبيان
أضرارها، فالنصوص كثيرة من الكتاب والسنة تدل على تحريم الأغاني والوعيد لمن
استحل ذلك أو أصر عليه، والمؤمن يكفيه دليل واحد من كتاب الله أو صحيح سنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف إذا تكاثرت وتعاضدت الأدلة على ذلك. ولقد
قال سبحانه و تعالى في كتابه العزيز: " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ
مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ
الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ
ضَلالاً مُّبِيناً"
ونظراً لخطورة الأغاني، وأنها سبب من أسباب فتنة الناس وإفسادهم وخاصة الشباب
منهم، أحببت أن أجمع لكم هذا البحث المختصر والذي يحتوي على موقف كتاب الله
وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأئمة أهل العلم من الغناء والموسيقى. وهذه
المادة هي محاولة أردت بها خدمة دين الله عز وجل، ومنفعة المسلمين، سائلاً
الله تبارك وتعالى أن ينفع بها وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وهو
حسبنا و نعم الوكيل.
أدلة التحريم من القرآن الكريم:
قوله تعالى:
"وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن
سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ
عَذَابٌ مُّهِينٌ" (سورة لقمان: 6)
قال حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما: هو الغناء، وقال مجاهد رحمه الله:
اللهو الطبل (تفسير الطبري) وقال الحسن البصري رحمه الله: "نزلت هذه الآية في
الغناء والمزامير" (تفسير ابن كثير). قال ابن القيم رحمه الله: "ويكفي تفسير
الصحابة والتابعين للهو الحديث بأنه الغناء فقد صح ذلك عن ابن عباس وابن
مسعود، قال أبو الصهباء: سألت ابن مسعود عن قوله تعالى:
"ومن الناس من يشتري
لهو الحديث"، فقال: والله الذي لا إله غيره هو الغناء - يرددها ثلاث مرات -،
وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أيضا أنه الغناء.." (إغاثة اللهفان لابن
القيم). وكذلك قال جابر وعكرمة وسعيد بن جبير ومكحول وميمون بن مهران وعمرو
بن شعيب وعلي بن بديمة و غيرهم في تفسير هذه الآية الكريمة. قال الواحدي رحمه
الله: وهذه الآية على هذا التفسير تدل على تحريم الغناء (إغاثة اللهفان).
ولقد قال الحاكم في مستدركه عن تفسير الصحابي: "ليعلم طالب هذا العلم أن
تفسير الصحابي الذي شهد الوحي و التنزيل عند الشيخين حديث مسند". وقال الإمام
ابن القيم رحمه الله في كتابه إغاثة اللهفان معلقاً على كلام الحاكم: "وهذا
وإن كان فيه نظر فلا ريب أنه أولى بالقبول من تفسير مَن بعدهم، فهم أعلم
الأمة بمراد الله من كتابه، فعليهم نزل وهم أول من خوطب به من الأمة، وقد
شاهدوا تفسيره من الرسول علماً وعملاً، وهم العرب الفصحاء على الحقيقة فلا
يعدل عن تفسيرهم ما وجد إليه سبيل".
وقال تعالى: "وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ
عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ
وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا" (سورة
الإسراء:64)
جاء في تفسير الجلالين: (واستفزز): استخف، (صوتك): بدعائك بالغناء والمزامير
وكل داع إلى المعصية و هذا أيضا ما ذكره ابن كثير والطبري عن مجاهد. وقال
القرطبي في تفسيره: "في الآية ما يدل على تحريم المزامير والغناء واللهو..وما
كان من صوت الشيطان أو فعله وما يستحسنه فواجب التنزه عنه".
و قال الله عز وجل: "وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا
بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا" (الفرقان: 72).
وقد ذكر ابن كثير في تفسيره ما جاء عن محمد بن الحنفية أنه قال: الزور هنا
الغناء، وجاء عند القرطبي والطبري عن مجاهد في قوله تعالى: "والذين لا يشهدون
الزور" قال: لا يسمعون الغناء. وجاء عن الطبري في تفسيره: "قال أبو جعفر:
وأصل الزور تحسين الشيء، ووصفه بخلاف صفته، حتى يخيل إلى من يسمعه أو يراه،
أنه خلاف ما هو به، والشرك قد يدخل في ذلك لأنه محسن لأهله، حتى قد ظنوا أنه
حق وهو باطل، ويدخل فيه الغناء لأنه أيضا مما يحسنه ترجيع الصوت حتى يستحلي
سامعه سماعه" (تفسير الطبري).
وفي قوله عز وجل: "و إذا مروا باللغو مروا كراما" قال الإمام الطبري في
تفسيره: "وإذا مروا بالباطل فسمعوه أو رأوه، مروا كراما. مرورهم كرام